الأحد، 4 يوليو 2010

الحب الخادع

الحب الخادع
مقال منشور بمجلة القراء



كيف نضيء اللاشعور المظلم الخفي المطمور تحت الأنقاض الذي يفسد علينا حياتنا!!؟؟



كيف نفرق بين ما نحب ونكره!!؟؟



وبين ما هو علم وشعور في النور، وبين ما هو عكس ذلك من الأمور المتخفية في الظلام!!؟؟.



بهذه التساؤلات الفلسفية العميقة ختم أستاذنا المفكر الكبير جودت سعيد مقاله عن صدمة الأفكار، أو "ماسمعنا بهذا" بالتعبير القرآني.



لقد صدمنا مالك بن نبي بأفكاره، مثلما فعل بعده جودت سعيد؛ لما قرأنا كتاب شروط النهضة لمالك بن نبي لم نفهم ابعاد كلامه، كما يقول أستاذنا جودت سعيد، ولما زارنا جودت سعيد بمدينة فاس، وألقى علينا محاضرة، أصبنا بالذهول، وأدركنا بأننا كنا نمشي على رؤوسنا"أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم"(الملك:22)



لقد وضح لنا مالك بن نبي وجودت سعيد كثيراً من لا شعورنا الذي يفسد علينا حياتنا، بأن أبرزاه إلى الشعور، إلى الضياء، إلى العلم والمعرفة، وأخرجاه من ظلام الحب والكراهية، لأن الحب أعمى.



وقد جاء في الحديث:"إن حبك الشيء يعمي ويصم". (سنن أبي داود، الأدب، في الهوى)



تقول الحكاية انه في قديم الزمان عاشت الفضائل مع الرذائل فترة..



ثم إنهم شعروا بالملل، لهذا اقترح عليهم الإبداع لعبة الغميضة، فأسرع الجنون قائلا أنا أغمض عيني أولا، وأنتم تختبئون، فوافقوه، وبدؤوا بالاختباء؛ الرقة فوق القمر، والولع بين الغيوم، الكذب قال بصوت مرتفع: سأختفي تحت الأحجار، لكنه غطس في بركة الماء... ما عدا الحب فقد بقي حائرا، حتى اللحظة الأخيرة قبل أن يفتح الجنون عينيه، ثم قفز أخيرا وسط أجمة ورد..



فتح الجنون عينيه، واستطاع الوصول إلى كل المختبئين ما عدا الحب، لكن الحسد دله على مكانه، فأسرع الجنون وبيده خشبة شوكية كالرمح فجعل يطعن شجيرات الورود ويقول: اخرج لقد وجدتك، ولم يتوقف إلا بعد سماع صوت بكاء يمزق القلوب..



ظهر الحب وهو يضع يديه على عينيه، والدم يقطرمن بين أصابعه.. ذعر الجنون وصاح: كيف لي أن أصلح غلطتي!؟



أجابه الحب: لن تستطيع رد بصري، ولكن دلني على الطريق..



ومن ذلك الوقت والجنون هو من يقود الحب ويرشده..



فالحب أعمى يقوده الجنون؛ فلا المقود يرى و يبصر ، ولا القائد عاقل يعرف ماذا يفعل



هذه حالنا نحن العرب والمسلمين نحب، ولكن لا نعلم، والله يقول:" وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) (البقرة: 216)



الأحاسيس والمشاعر خداعة، يتضح هذا فيما يأكله الناس ويشربونه ويلبسونه..



إن الأحاسيس والمشاعر هي التي تتحكم في كل ذلك، وليس العلم و حاجة الجسد، وعلم النفس السلوكي يركز على أن سلوكنا، يخضع للأحاسيس والمشاعر، وليس على العلم والمعرفة.



نحن أخطأنا بحسنا البصري في فهم حركة الشمس الخادعة، أخطأنا في فهم أوضح شيء في الوجود؛ وهي الشمس، أوليس يقولون: واضح وضوح الشمس، ولكننا أخطأنا جميعاً في فهم حركة الشمس، فرأيناها تدور حولنا، بينما نحن الذي ندور حولها.



فإذا أخطأنا في فهم أوضح شيء في الوجود، فما هو الشيء الذي يمكن أن نقول عنه: إننا لا نخطئ فيه!؟



ولهذا يجب علينا ألا نبني الأحكام على المشاعر والعواطف، وإنما على العلم والمعرفة والوقائع، والله تعالى يقول عن غير المسلمين:"هانتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم"(آل عمران:119)



فنحن عندنا تضخم في هذا الجانب؛ جانب الأحاسيس والمشاعر، بينما الأمور لا تدار بهذه الطريقة، ولكن يتم ذلك عن طريق العقل والمنطق، لأن المشاعر والأحاسيس خداعة والشاعر يقول:



عين الرضا عن كل عيب كليلة وعين السخط تبدي المساويا



ولهذا وجدنا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"أحب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما"(سنن الترمذي، البر والصلة، ماجاء في الاقتصاد في الحب والبغض)



فالمطلوب الاعتدال والتوازن و الوسطية، وعدم الاستسلام للعواطف تتحكم في مصير الانسان ومستقبله..



chtaiba jamal







ليست هناك تعليقات: